حقوق الكتابة للكاتب / خالد عبدالحميد متلقيتو
المصدر
بداية المقال
من المعتاد عند كثير من الأسر في فترة ما قبل الامتحانات (مثل الفترة المقبلة) أن تدخل في حالة استنفار وتأهب قصوى استعدادا لها. فتجد أن جميع أفراد الأسرة في عزلة عن المجتمع بل عن الحياة ككل حتى إذا ما انتهت الاختبارات كانت كمن يخرج للحياة من رحم أمه.
وهذه الحالة التي اعجز عن إيجاد وصف مناسب لها (بحيث لا يغضب القراء الكرام) قد اقبلها بالنسبة للطالب المقدم على أداء الامتحانات سيما أولئك اللذين لم يستوعبوا الدرس خلال طول الأسابيع والشهور الماضية. لكن الذي قطعا يصعب علي استيعابه وتقبله هو لماذا يدخل الوالدان نفسيهما في هذه الحالة ويجعلان جميع الأسرة تعاني من تبعات هذا الجو المشحون.
التبرير الوحيد لهذه الظاهرة هو أن الوالدان بعلم منهما أو بدون علم فإنهما يجعلان من نجاح الولد (الولد في اللغة يعني الابن و البنت) مسألة “شخصية” تعنيهما وتمس نظرتهما لنفسيهما كما لو أنهما هما اللذين يختبران لا الولد. فيغدو الامتحان للوالدين “امتحان بالتبني” وبالتالي فهما لا بد أن يظهرا بأجمل منظر أمام الأقارب والرفاق والمجتمع بغض النظر عن الأثقال التي يحملانها على الولد الغلبان(ة). بل في أكثر الأحيان فأن مسألة التبني تكون قد بدأت قبل الامتحان بكثير في مرحلة الاختيار حيث أن الوالدان هما من يختار المدرسة وهما من يختار التخصص وهما من يختار المواد التي يدرسها وربما المدرسين إن أمكن.
عندما تناقش أيٍ من الوالدين في عملها هذا فإنهما يبرران عملهما بأن الدافع لهذا التصرف هو الحرص على مصلحة الابن وهو كلام صحيح في الظاهر فقط أما في ما تحت السطح فهو ليس إلا حرصاً منهما على الظهور بمظهر الأبوين الناجحين اللذين استطاعا أن ينشئا هذا الطالب المجتهد.
بل إن الناظر في حال كثير من هذه الأسر يجد أن الولد يأتي كآخر من يعلم وفي ذيل قائمة الاهتمامات من الناحية العملية التي تعتبر المقياس الأهم في التعبير عن المعتقدات والأفكار القابعة في أعماق الإنسان.
فرغبات الولد وقدراته ومواهبه التي حباه الله بها وما يحب وما لا يحب قلما تجد لها ركنا أو طريقا للحسابات المعقدة التي يقوم عليها الوالدان ضمن وصفة لطبخة قلما تنتج لنا طعاما صالحا للاستهلاك الآدمي فضلا عن أن يكون طعاما سائغا شهيا.
بل الأدهى والأمر هو أن الوالدان في غمرة الاندفاع المحموم لإثبات تفوقهما ونجاحهما بالنيابة، كثيرا ما ينسون أن يجعلوا الولد يدرك أهمية التعليم بالنسبة له ولماذا هو يتعلم التخصص الفلاني أو المادة العلانية. لذا تكون النتيجة الحتمية لهذا الغياب هو أن هذا الولد يكون محروما من أن يقدم أفضل ما عنده وأن يحقق أقصى ما يستطيع من إنجاز وذلك لأنه يخوض هذه المعركة بالنيابة عن غيره لإرضائهما دون أن يكون معنيا بها بشكل أساسي. حاله خلال هذه المعركة هو مثل حال المرتزقة بدلا من أن يكون مثل حال المؤمنين بعدالة الراية التي هم يتبعونها.
من الطبيعي والمعروف أن الإنسان عندما يخوض معركة تخص غيره فإن الحمل ليس على رأسه بل هو مجرد مساعد لحمل يقع على رأس غيره وغني عن الذكر أن القدرة في الحالتين تتباين تباينا كبيرا جدا.
لذا إن تأملنا ما تفرزه هذه الممارسات المتسلطة من الأسر وما تنتجه من أبناء فإنا نجد النماذج التالية:
ولد متفوق أو متفوقة دراسيا لكنه لا يفهم أي معنى لما درس ولا يستوعبه أو يطيق التعامل معه؛ خصوصا وأن أسلوب التلقين يجعل من هذا الوضع سهل التكرار والحدوث لكل من لديه ملكة الحفظ. هذا يحقق حلم “النجاح بالتبني” ولكنه يخسر نفسه وحياته فيصبح في آخر أمره موظفا أو حتى تاجرا غير مميز ولا يمت للإبداع بصلة
ولد يحاول النجاح فقط ليحصل على رضا الوالدين (رغبة أو رهبة أو شفقة) ولذا تجده بالكاد يتجاوز الحد الأدنى فينجح ولكنه يصدم بعدم الحصول على الرضا المنشود لأنه فشل في تحقيق حلم “النجاح بالتبني” وبالتالي فهو يتردى من فشل لفشل تلاحقه نظرات الوالدين وآهاتهما حسرة على ضياع حلم “النجاح بالتبني”
ولد يفشل في حمل أثقال حلم “النجاح بالتبني” فينكسر من البداية وقبل معركة الامتحان فيتردى من حال لأسوأ وسط نظرات الاستهجان وصيحات الاستنكار على هذا الفشل الذريع دون النظر في أنهما كانا أحد أهم أسبابه
ولد يثور على حلم “النجاح بالتبني” ويتجه لدراسة ما يحب ويترك ما أراده له الوالدان فهذا حتى وإن كسب شيئا من ذاته فسيظل في ألم كلما وقعت عينه على عين والديه ولمس فيهما نظرة الاستنكار على تبديد حلم “النجاح بالتبني” بغض النظر عن نجاحاته المتعاقبة في الاتجاه المغاير.
بعد هذا،
هلا نفكر قليلا في ما يناسب فلذات أكبادنا؟
هلا نفكر في أن نعتقهم من أغلال أحلامنا الوردية “بنجاح التبني”؟
هلا نترك لهم الخيار في أن يكونوا كما يجب أن يكونوا، أحرار ناجحين مقبلين على الحياة؟
للمزيد، ربما يجدر الإطلاع على التعليقات الواردة في تدوينة خطوة أولى تنمية
دمتم بحب
يمكنكم مناقشة الكاتب عن طريق المصدر